“دورة الزمن”.. ألمانيا تعرض على الولايات المتحدة “خطة مارشال”

Farah A Maraqa
4 min readJan 24, 2021

وزير الخارجية ماس يواجه بالانتقادات ونظرة سياسيي برلين لـ “أقدم ديمقراطية غربية” تهتز.. ترقّب وحذر في أكبر اقتصادات أوروبا مع طلائع انتخابات “بلا ميركل” وخشية كبرى من ارتدادات أحداث الكابيتول (تحليل سياسي)

Image Courtesy of Jesco Denzel — EPA-EFE/Shutterstock

عرّت التصريحات السياسية لوزير الخارجية الألماني هايكو ماس الإشكالية الحقيقية داخل السياسيين الألمان تجاه الولايات المتحدة الألمانية، إذ تزايدت الانتقادات عليه من الحزب المسيحي الديمقراطي الشريك بالائتلاف الحاكم في ألمانيا وكذلك من حزب الخضر.

وواجه ماس (من الحزب الاشتراكي) انتقادات بسبب عرضه على الولايات المتحدة الأمريكية العمل سويا على “خطة مارشال للديمقراطية”، ما اعتبره سياسيون “تنظيرا على الديمقراطية الامريكية” في وقت لا يزال فيه كثير من سياسيي ألمانيا يشعرون بالامتنان لواشنطن لمساهمتها في إعادة بناء المانيا الاتحادية بعد الحرب العالمية الثانية، وبينما يشعر آخرون انهم بحاجة لعدم الانخراط بالشؤون الداخلية للولايات المتحدة.

وجاءت الانتقادات من الحزب المسيحي الديمقراطي الشريك مع الحزب الاشتراكي بالائتلاف الحاكم في ألمانيا وكذلك من حزب الخضر. وقال خبير شؤون السياسة الخارجية بالحزب المسيحي، يواهان دافيد فادفول، لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) إنه على الرغم من صحة تحليل ماس بأن كل أزمة للديمقراطية بالولايات المتحدة الأمريكية سيكون لها تأثيرات على ألمانيا أيضا، “فإنه يتعين علينا ألا نظهر ككبار المعلمين تجاه أقدم ديمقراطية غربية”.

ومن جانبه أعرب السياسي المعني بشؤون السياسة الخارجية بحزب الخضر، أوميد نوريبور، عن انزعاجه من عرض ماس على الولايات المتحدة، وقال إنه إذا كان وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو هو الذي عرض على ألمانيا المساعدة، عندما اقتحم متظاهرون درج مبنى الرايخ الألماني في برلين، “لكننا انتقدناه بشدة”.

وعرض ماس على الولايات المتحدة تعزيز التعاون في الكفاح لأجل الديمقراطية بعد اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن. وقال الوزير الألماني: “يجب ألا نعطي مجالا لأعداء الديمقراطية الليبرالية. لا يسري ذلك في الولايات المتحدة فقط، ولكن المثل تماما لدينا في ألمانيا وأوروبا… إننا مستعدون للعمل مع الولايات المتحدة على خطة مارشال مشتركة لأجل الديمقراطية”.

وكانت خطة مارشال برنامجا اقتصاديا من الولايات المتحدة لأجل إعادة بناء دول أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، واستفادت منه جمهورية ألمانيا الاتحادية. ويتم استخدام المصطلح بصورة متكررة حاليا كمقابل لبرامج إعادة البناء بشكل عام.

وأظهرت ألمانيا الكثير من الانزعاج ابان اقتحام مبنى الكابيتول، وعبرت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل عن انزعاجها وغضبها وحزنها في السياق، الامر الذي يبدو انه هزّ الديمقراطيات الغربية بصورة كبيرة.

وكان المئات من مثيري الشغب المؤيدين للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب قد اقتحموا مبنى الكابيتول، رمز الديمقراطية الأمريكية ومقر المجلس التشريعي يوم الأربعاء، وجرى إطلاق أعيرة نارية كما قتل خمسة أشخاص بينهم شرطي.

وكان ماس والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من بين أولئك الذين قالوا إن ترامب يتحمل جزئيا مسؤولية التصعيد. كما تأهبت الشرطة الألمانية في البلاد لمواجهة أي ارتدادات محتملة للشغب في الكابيتول على المانيا.

وقال ماس إن بايدن يمكنه الاعتماد على دعم ألمانيا، معتبرا أنه لا توجد ديمقراطية في أوروبا بدون ديمقراطية في الولايات المتحدة، مضيفاً “لفهم الانقسامات الاجتماعية في بلادنا من جذورها — فإن هذه واحدة من أكبر المهام المستقبلية للأمريكيين والأوروبيين.”

ويظهر كلام ماس الخشية الألمانية من ان تتأثر برلين بالضرورة بالمناخ السياسي في الولايات المتحدة، إذ يقرن مثلا الكثير من المحللين السياسيين صعود اليمين الشعبوي (حزب البديل لأجل ألمانيا- ثالث أكبر الأحزاب في البرلمان) بنجاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكذلك يتم أقرانه بصعود اليمين والشعبوية في أوروبا بصورة عامة.

إلى جانب ذلك فقد كانت المانيا الخصم غير المعلن لإدارة ترامب حيث تدخلت الأخيرة بمشاريع متعددة لألمانيا سواء في برنامج شبكة الجيل الخامس مع هواوي الصينية او حتى في خط غاز نوردستريم2 والذي يصل فيه الغاز من روسيا لبرلين، مرورا بنفقات الدفاع التي تخصصها ألمانيا كعضو في الناتو.

وقدمت ألمانيا بعض التنازلات في ملفات أخرى كحظر حزب الله لديها، في حين اعتبر سياسيون ان واشنطن عاقبت بلادهم بقرارات متتالية وتهديدات بسحب القوات الامريكية الموجودة في ألمانيا والتي يعتبرها الالمان عامل استقرار من جهة وعامل تنوع من جهة ثانية كون القوات الامريكية تشكل مدنا كاملة.

وشهدت علاقة ترامب مع المستشارة الكثير من التوتر الذي قابلته ألمانيا بالكثير بالهدوء خلال حكم المستشارة، في وقت كان من الممكن أن تشتعل الكثير من الازمات بين البلدين وفق مراقبين لو كانت برلين تحت حكم شخصية أخرى.

ويمكن النظر اليوم حتى الى تصريحات ماس والانتقادات عليها كواحدة من طلائع الدعاية الانتخابية في ألمانيا والتي قد تحمل الكثير من المفاجآت هذا العام خصوصا مع إعلان المستشارة الألمانية ميركل أنها لن تترشح بعد اكثر من 15 عاما عملت فيها كمستشارة وصمام امان للديمقراطية الألمانية وحتى الأوروبية وفق كثير من المراقبين.

ويبدو ان وصول مسلسل الإضرابات بين واشنطن وبرلين لنقطة اللاعودة التي حاولت ميركل تجنيبها لبلادها لم يحصل، ولكن المستشارة والعالمة الفيزيائية تتعرض حاليا لعدة إشكالات على رأسها إدارة أزمة كورونا بعد إثباتها النجاح في الموجة الأولى للفيروس، ما قد يعرض تحالف حزبها لخسارة يُخشى أن تكون لصالح اليمين الشعبوي في ظل تراجع حظوظ الأحزاب التقليدية.

بكل الأحوال، تبدو الديمقراطية الألمانية في عهد ميركل وبعد ما حصل في الولايات المتحدة كأكثر حصون الديمقراطية الغربية منعة، رغم ان الانتقادات الداخلية التي تواجهها بسبب التعامل مع أزمة كورونا وقبلها تعاملها مع ملف اللاجئين تبدو كبيرة.

هذا المقال نُشر أولاً في رأي اليوم بتاريخ 11 كانون الثاني/ يناير 2021

--

--

Farah A Maraqa

Independent Palestinian-Jordanian journalist based in Berlin. Writer, freedom of the press and human rights advocate dedicated to the pursuit of Truth